كتب الشاعر محمد السنوسي تص بعنوان .... الغربة ..

 الغربة

في غيابه نبتت المدينة وتعالت الأبراج وتوسعت الصروح .في غيابه شاخ الصغير ورحل الهرم وهدمت البيوت القديمة وإختفت الأوكار و إختفى العرين .فمع عاصفة الأيام الطويلة تنحت جانبا وللأبد كل المعالم وحزمت الذكريات ما بقي من  أمتعتها المندسة بين مخلفات أنياب الحضارة و وجوه الجيل الجديد بعدنا غزت التجاعيد  تفاصيل المسار.

فالسنونو اليوم لم تعد تبشر بمقدم الربيع بل أصبحت تذكر مرغمة بالراحلين من  الأهل والخلان والرفاق والأيام طوت الصفحة المقابلة للضفة الأخرى متناسية عبور الوالدين والإخوة والأخوات وأهل الحي وصادرت طويلا عبق توابل رمضان وتكبيرات العيد وإخضرار الأرض والأحداث العائلية حتى عاد الرضيع متفاخرا بشنبه وغدت الحالمة حريصة على تعليم أبنائها غارقة في مشاغل البيت و تفتحت المدينة داعية المار والمقيم للخضوع لأحكام التضاريس والتقاسيم المفروضة وهي تعدم علنا زوايا الذكريات ومواطن الصغر والصبا و تميط اللثام كرها عن واقع لا ناقة للقديم فيه ولا جمل للبعيد بين القطيع ولا مكانة للعائد بين الصفوف بل تتلخص كل القصة في تجرع طيف العابرين وإستنشاق عميق حالم لعطر سيرهم على واقع لوحات محفورة قابعة بالقاع تطفو كلما ناداها الحنين وإستغاثت بها الجوارح.

فأهل الدار لم يعودوا هنا وسكان المدينة والحي طوتهم اللحظات العابرة وتلاعبت بهم الأحداث فما عاد للماضي وجود سوى في دفاتر الذاكرة وما عاد لحنين اللقاء ذوق بعدما تفنن البعد في نفث آليات الهدم التي محت من المشهد صاحب الدكان ورحل الجار بالجنب وغادر أعمدة المسجد .فاليوم صفحة طواها الغياب وطمست معالمها الغربة وبعثتها الأيام لمخازن الذكريات.

فطارق البيت سينتظر طويلا أملا في رد من خلف الباب و أقصى المنى أن يرحب بك وجه يعود للواجهة من القاع لينعش الجو بكلام طيب للجيل الذهبي الذين أذاع يوما على أمواج الزمان سمو الأخلاق و قداسة العلاقات العائلية و نفاسة الروابط الأخوية ذلك أن أهل الدار قد رحلوا و سكان المدينة لم يعودوا هنا معلنين للأجيال أن الغربة الحقيقية هي تلك التي تخلد أحدا في الجحيم و أهل الصلاح يتمرغون بين السدر المخضود و الطلح المنضود.

محمد بن سنوسي

 من سيدي بلعباس 

الجزائر


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتب الشاعر حسن محمد الادلبي نص بعنوان......حبيبي أنا.....

كتب الشاعر المبدع محمد نجيب صوله نص بعنوان..... إلى من أناديها.......

كتب الشاعر المبدع. د. مصطفى أحمد البيطار. نصا بعنوان...... يا فاتن لا ترحلي......